سورة ق - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أي للزكاة المفروضة وكل حق وجب في ماله، {مُعْتَدٍ} ظالم لا يقر بتوحيد الله، {مُرِيبٍ} شاك في التوحيد، ومعناه: داخل في الريب.
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} وهو النار.
{قَالَ قَرِينُهُ} يعني الشيطان الذي قُيِّضَ لهذا الكافر: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} ما أضللته وما أغويته، {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} عن الحق فيتبرأ عنه شيطانه، قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل: {قال قرينه} يعني: الملك، قال سعيد بن جبير: يقول الكافر يا رب إن الملك زاد عليّ في الكتابة، فيقول الملك {ربنا ما أطغيته}، يعني ما زدت عليه وما كتبت إلا ما قال وعمل، ولكن كان في ضلال بعيد، طويل لا يرجع عنه إلى الحق.
{قَالَ} فيقول الله {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} في القرآن وأنذرتكم وحذرتكم على لسان الرسول، وقضيت عليكم ما أنا قاض.
{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} لا تبديل لقولي، وهو قوله: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة- 13]، وقال قوم: معنى قوله: {ما يبدل القول لدي} أي: لا يكذب عندي، ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب. وهذا قول الكلبي، واختيار الفراء، لأنه قال: {ما يبدل القول لدي} ولم يقل ما يبدل قولي. {وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} فأعاقبهم بغير جرم.
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} قرأ نافع وأبو بكر {يقول} بالياء، أي: يقول الله، لقوله: {قال لا تختصموا}، وقرأ الآخرون بالنون، {هَلِ امْتَلأتِ} وذلك لما سبق لها من وعده إياها أنه يملؤها من الجنة والناس، وهذا السؤال من الله عز وجل لتصديق خبره وتحقيق وعده، {وَتَقُولُ} جهنم، {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} قيل: معناه قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلىء، فهو استفهام إنكار، هذا قول عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان. وقيل: هذا استفهام بمعنى الاستزادة، وهو قول ابن عباس في رواية أبي صالح، وعلى هذا يكون السؤال بقوله: {هل امتلأت}، قبل دخول جميع أهلها فيها، وروي عن ابن عباس: أن الله تعالى سبقت كلمته {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة- 13]، فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء، فتقول: ألست قد أقسمت لتملأني؟ فيضع قدمه عليها، ثم يقول: هل امتلأت؟ فتقول: قط قط قد امتلأت فليس فيّ مزيد.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي، أخبرنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال جهنم تقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك، ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقًا فيسكنه فضول الجنة».


{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} قُرِّبت وأُدْنِيَت، {لِلْمُتَّقِينَ} الشرك، {غَيْرَ بَعِيدٍ} ينظرون إليها قبل أن يدخلوها.
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ} قرأ ابن كثير بالياء والآخرون بالتاء، يقال لهم: هذا الذي ترونه ما توعدون على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، {لِكُلِّ أَوَّابٍ} رجاع إلى الطاعة عن المعاصي، قال سعيد بن المسيب: هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال الشعبي ومجاهد: الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. وقال الضحاك: هو التواب. وقال ابن عباس وعطاء: المسبح، من قوله: {يا جبال أوبي معه} [سبأ- 10] وقال قتادة: المصلي. {حَفِيظٍ} قال ابن عباس: الحافظ لأمر الله، وعنه أيضًا: هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها. قال قتادة حفيظ لما استودعه الله من حقه. قال الضحاك: الحافظ على نفسه المتعهد لها. قال الشعبي: المراقب. قال سهل بن عبد الله: المحافظ على الطاعات والأوامر.


{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} محل {من} جر على نعت الأواب. ومعنى الآية: من خاف الرحمن وأطاعه بالغيب ولم يره. وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب. {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} مخلص مقبل إلى طاعة الله.
{ادْخُلُوهَا} أي: يقال لأهل هذه الصفة: ادخلوها أي ادخلوا الجنة {بِسَلامٍ} بسلامة من العذاب والهموم. وقيل بسلام من الله وملائكته عليهم. وقيل: بسلامة من زوال النعم، {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}.
{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا}، وذلك أنهم يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما شاؤوا، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه، وهو قوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، يعني الزيادة لهم في النعيم ما لم يخطر ببالهم. وقال جابر وأنس: هو النظر إلى وجه الله الكريم.
قوله عز وجل: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ}، ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا، وأصله من النقب، وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق، {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} فلم يجدوا محيصًا من أمر الله. وقيل: {هل من محيص} مفر من الموت؟ فلم يجدوا منه مفرًا، وهذا إنذار لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفرًا عن الموت يموتون، فيصيرون إلى عذاب الله.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ}، فيما ذكرت من العبر وإهلاك القرى، {لَذِكْرَى}، تذكرة وعظة، {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}.
قال ابن عباس: أي عقل. قال الفراء: هذا جائز في العربية، تقول: ما لك قلب، وما قلبك معك، أي ما عقلك معك، وقيل: له قلب حاضر مع الله. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}، استمع القرآن، واستمع ما يقال له، لا يحدث نفسه بغيره، تقول العرب: ألق إليّ سمعك، أي استمع، {وَهُوَ شَهِيدٌ}، أي حاضر القلب ليس بغافل ولا ساه.

1 | 2 | 3 | 4